خيط من الدخان مازال ينطلق من طرف الباب الخشبي يصل للسقف، ولكنه يعجز عن الخروج للممر المؤدي للحمام الأكبر في الطابق العلوي ، أسفل الباب نصف المحروق تبدو على أطراف سجادة الحمام الأرضية آثار الكربون ، الرماد يغطي اللون الأبيض للحوض ، يصل مداه إلى البانيو ، الدخان القادم من المحارم الملونة يجد طريقه فقط من خلال النافذة المفتوحة ، والتي تسمح بأول شعاع ضوء من صباح السبت ، في المنتصف يجلس الفتى الذي من المفترض أن يسلم نفسه لمعسكر فريقه استعداداً لأهم مباراة في الموسم أمام الغريم مانشستر يوناتيد في اليوم التالي ، يبدو أنه لم يستوعب الأمور جيداً ولكنه يفكر في نوعية القصة التي سيقدمها لمدربه ومواطنه روبرتو مانشيني لدي عودته لفندق الفريق ، شاب في ال12 من عمره وسط حطام حياته الشخصية.
بعدها بساعات كان بالوتيلي يقود فريقه للفوز بسداسية تاريخية في أولد ترافورد شخصياً ، محرزاً هدفين ، أولهما في الدقيقة 20 ، ليكشف الشاب إلإيطالي عن قميصه الداخلي والمكتوب عليه :"لماذا أنا دائماً؟" ، لماذا يكون عليه لعب دور أضحوكة بريطانيا كلها بعد أن أشعل منزله بالألعاب النارية برفقة أربعة من رفاقه قبل ساعات من أهم مباريات الموسم؟
أم لماذا كان عليه لعب دور الإيطالي المندمج وقضى 18 عاماً بعيداً عن والديه الطبيعين؟ .. هذين المهاجرين من عائلة بارواه الغانية ، قبل أن يصبح ابناً بالتبني لعائلة بالوتيلي ، أن يندمج مع هتافات جماهير عنصرية لكل فريق منافس للإنتر ، أن يصر على تقبيل القميص الأزرق والأسود بعد إحراز كل هدف ، قبل وضعه على الأرض استفزازاً لمشاعر جمهوره بعد خروجه مستبدلاً أمام برشلونة في دوري الأبطال ، ارتداء قميص الغريم التاريخي ميلان في برنامج ستريتشيا لا نوتيسيا الكوميدي ، مكتوباً على ظهره اسم بالوتيلي "الذي لم يولد به أصلاً" ، اصطياد كريستيانو رونالدو نجم اليوناتيد والنظر في عينيه كولدين في مدرسة إبتدائية ، إعطاء أحد المشردين ورقة ب100 حنيه إسترليني في ساعة متأخرة من الليل ، ، ركل وجه ستيف باركر في مواجهة توتنام بالدوري ، بطاقة حمراء غبية أمام ليفربول ، الاحتفال بهدفه من ركلة جزاء بجندي روماني فخور أمام جمهور نيوكاسل المنافس ، يطيح بكرة بكعبه من على بعد خمسة أمتار من المرمى في جولة إعدادية بلوس آنجيليس ، قبل أن يدخل في مشادة على الهواء مع مانشيني الذي أسرع بسحبه ، الشجار مع زميله في سيتي ميكا ريتشاردز في أحد تدريبات الفريق ، قبل خمس دقائق من تصالحهما مجدداً ، اغتصاب قدم أليكس سونج في المباراة أمام أرسنال ، تلك الارتعاشة في حجرة الانتظار قبل قسم اليمين لدى حصوله على الجنسية الإيطالية في نوفمبر 2011 بعد معاناة 18 عاماً بلا جنسية ، التسجيل في مرمي بولتون بعد ساعات من مغادرته نادي إسترتبيز في الليلة السابقة ، قصة شعر على هيئة عرف الديك ، عرف الديك الذي يتحول إلى اللون الأصفر ، عرف الديك الذي يتحول إلى "زعبوط" شتوي في أحدث خطوط الموضة ، الاعتذار عن خوض بعض المباريات لشعوره بالحساسية من عشب أرضية الملعب ، تحطيم سيارات باهظة في شوارع مانشستر التي يمقتها.
"لماذا أنا؟" وهو صاحب مقصية بهلوانية ألهبت ملعب السيتيزن امام آستون فيلا ، هدف بالكتف في مرمة نورويتش ، هدف كالزلزال في مرمي كييفو بصاروخ من عشرة أمتار داخل الصندوق ، هدف مماثل في أودينيزي ، ركلة حرة أفعوانية من 30 متراً أمام مرمى كازان ، المرور من ثلاثة مدافعين بلمستين بقرب راية الركنية في مساحة لا تتجاوز مترين ، خطوة قدم تليق براقص باليه ، تلك اللمحة من عبقريات جورج وياه على نفس ملعب سان سيرو قبل 17 عاماً ، ذلك الاستلام للكرة في نصف ملعب المنتخب البولندي ، قرار التسديد يستغرق ثانية واحدة ، من مسافة 35 متراً ، تطير بانحراف مباغت للمسار في آخر خمسة أمتار ، مخادعة ، رائعة ، مجنونة ، مستفزة مشابهة لصاحبها ، الذي سارع بتقبيل القميص الأزرق لوطنه الجديد رسمياً ، في أول هدف شخصي كلاعب بالأتسوري.
سيارة بيضاء فارهة موديل 2012 مركونة في موقف سيارات خاص بمدرسة ابتدائية ، يجري صاحبها لاهثاً على نحو أثار رعب المارة وبعض الطلبة خارج المبنى ، يسارع بالدخول من الباب قبل أن يهرع إلى مجموعة من الطلبة المتجمعين حول مدرسهم الفزعين جميعاً ، يأخذ الشاب الأسمر أنفاسه قبل أن يخاطبهم :"عفواً للمقاطعة ..اسمي ماريو بالتويلي، أنا في منتصف الطريق بسيارتي وأريد استخدام الحمام حالاً!!". بعد العودة قام الشاب ذو السترة الرياضة الداكنة بالحديث مع مشجعي مانشستر سيتي من التلاميذ ، قبل أن يخرج من الباب فجأة ، منطلقاً بسيارته مخلفاً عفاراً ترابياً خلفه ، دون أن يعلم أحد وجهته المقبلة.
No comments:
Post a Comment